كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على السياسة؟
كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على السياسة؟
هل هو فرصة للديمقراطية أم خطر عليها؟
جيورجيوس زيكوس
ترجمة: د. رمضان مهلهل سدخان
يقوم الذكاء الاصطناعي (AI) بتشكيل الجوانب الأساسية للمجتمعات البشرية. إلى هذا الحد، يتسبب الذكاء الاصطناعي في إحداث تغييرات جوهرية فيما يتعلق بجوانبه الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، مما يعني أن الذكاء الاصطناعي يغيّر الاقتصاد السياسي الدولي وبالتالي السياسة الدولية. وستكون أنظمة الذكاء الاصطناعي قادرة على حل المشكلات التي يتجاوز نطاقها وتعقيدها القدرات البشرية. وبتقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة (AAI)، وستفكر الآلات وكأنها أدمغة، ويمكن عدّ الأدمغة وكأنها آلات. عندها سيكون التدخل البشري في عملية صنع القرار خارج نطاق الأنظمة الآلية بالكامل.
ويحقق الذكاء الاصطناعي مزايا جديرة بالملاحظة، ولكنه يشكل أيضاً مخاطر جسيمة، لا سيما تلك المرتبطة بالخصوصية والسلامة والأمن بسبب الوظيفة الحالية للذكاء الاصطناعي وغياب آلية الإصلاح التلقائي والتحكم في الوظيفة الموضوعية له. كما يعمل الذكاء الاصطناعي على أتمتة أداء فئات واسعة من المهام وتسريعها وتحسين دقتها، بما في ذلك التصنيف والتجميع والتنبؤ. وتكون المساهمة المتوقعة له في تحقيق المصلحة الاجتماعية عبر طرح سؤال اجتماعي وسياسي شامل عن مسؤولية مختلف أصحاب المصلحة، والتعاون فيما بينهم، والمبادئ القابلة للمشاركة التي يقوم عليها الفهم الإنساني الحالي لـ (مجتمع الذكاء الاصطناعي). بمعنى آخر، هناك حاجة إلى فهم اجتماعي له من أجل دمج استراتيجية جديدة لتطبيقاته. إضافة إلى ذلك، فهو يتطور بسرعةٍ كبيرة وتصبح المجتمعات البشرية أكثر (نضجاً معلوماتياً) بواسطة الاعتماد بشكلٍ متزايد على تقنيات الذكاء الاصطناعي مما يعني زيادة تأثير هذه التقنيات على القيم الإنسانية المشتركة. وبذا أصبح جزءاً لا يتجزأ من الحوكمة العامة ولذلك يتعين على أنظمة الذكاء الاصطناعي تنفيذ قواعد القانون والامتثال لها. ومن الجدير بالذكر هنا أن الخوارزميات نفسها يمكن أن تكون متحيزة بسبب الاختيارات التي يقوم بها البشر بتبني مصادر عدم الدقة. وبينما يُثري الذكاء الاصطناعي الحياد والدقة في اتخاذ القرار، فإنه يثير مخاوف بشأن مكانة القيم العامة والمبادئ الديمقراطية.
هل يحتاج اتجاه ابتكارات الذكاء الاصطناعي إلى التوجيه اجتماعياً وسياسياً؟ وهل سيضع القطاع الخاص المعيار لما يمكن اعتباره الذكاء الاصطناعي الشرعي؟ وهل يساهم الذكاء الاصطناعي في العمليات السياسية المشروعة؟ وهل يشكل تهديداً للديمقراطية؟ وهل تعمل تطبيقاته على تعطيل الديمقراطية بالتلاعب بالمعلومات؟
إن الهدف من الدراسة الموجزة الحالية هو عرض تأثير الذكاء الاصطناعي على السياسة والديمقراطية.
تنظيم الذكاء الاصطناعي
يعدّ الذكاء الاصطناعي مفيداً للابتكار والنمو الاقتصادي إذ يؤثر الذكاء الاصطناعي المطوّر تجارياً على معالجة جديدة للقضايا المجتمعية. إلى هذا الحد، يكون تنظيمه أمراً مطلوباً ولذلك يجب على الحكومات إما دمجه في المخططات التنظيمية الحالية أو في المخططات التنظيمية الجديدة. فقد غيّر شروط المدخلات الديمقراطية وشرعية الإنتاجية بالتحول في السلطة والسيطرة بين القطاعين العام والخاص. في الوقت الحاضر، يقود البحثُ والتطوير في الشركات الابتكارَ القائم على الذكاء الاصطناعي، وينظر إليه على أنه قوة فعالة تعمل على إصلاح حياة البشر وتفاعلاتهم وبيئاتهم. بمعنى آخر، يعمل الذكاء الاصطناعي على إنشاء العالم الرقمي الذي ستقضي فيه الأجيال البشرية معظم وقتها، وبالتالي تصميم حالة (مجتمع الذكاء الاصطناعي) إذ سيجري تحقيق ازدهار الإنسان عبر تعزيز الكرامة الإنسانية بوصفها أساسًا جوهريًا لعالمٍ أفضل. ويجب أن يؤخذ في الحسبان أن الذكاء الاصطناعي يتيح الاستقلالية في الأنظمة التكنولوجية الأخرى، وبالتالي تكون له عواقب سياسية وقانونية متميزة. كما أن التفاعلات بين الجهات الخاصة هي سياسية للغاية. إضافة إلى ذلك، فإن القطاع الخاص لا يمثل الجمهور أو يحل محله بغض النظر عن أن العديد من الابتكارات التكنولوجية يجري إنشاؤها من جانب القطاع الخاص ويوظفها القطاع العام مما يشير إلى أن الأساس الديمقراطي الناجم عن الذكاء الاصطناعي لم يتغير. ومن ناحية أخرى، فإن خصائصه تسمح للقطاع العام بتعزيز جميع المبررات الديمقراطية بشكلٍ أكثر فعالية. وبالتالي، يجب ألا تتبنى سياسات الذكاء الاصطناعي مفهوم الأخلاقيات فحسب، بل هناك حاجة أيضاً إلى التنظيم القانوني لأنظمته المستخدمة حالياً نظراً لأن التكنولوجيا المستخدمة لا تغير مفاهيم السياسة والديمقراطية، بل إن الذكاء الاصطناعي هو مجرد أداة جديدة متقدمة في تنفيذ كل من السياسة والديمقراطية في المجتمع.
والسؤال هو: هل سيسمح التلاعب البشري بازدهار إيجابيات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أم أن النخبة ستسيطر على أنظمته من أجل فرض مصالحها الخاصة على المجتمع مرة أخرى؟
يجب أن يؤخذ في الحسبان أن البنية التحتية والشبكات والأجهزة التكنولوجية تشمل ترتيبات تقنية تحدد المبررات الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والسياسية الصريحة أو الضمنية. وإلى هذا الحد، يعمل التقييس الفني على تسريع توافق الأنظمة والشبكات وبالتالي تمكين قابلية التشغيل البيني الحاسمة في تطور حوكمة الذكاء الاصطناعي وصنع القرار الآلي. كما يجري استخدام تقدم المعايير العالمية الرائدة سياسياً لدعم التفاهمات التنظيمية والمعيارية بشكلٍ خاص لسياساتٍ معينة. ومن الجدير بالذكر أن القوى التكنولوجية تشكل المجتمع إلى جانب القوى السياسية الداعمة التي تسبب التفاعلات السياسية. ويبدو أنه لا يوجد حالياً جهد دولي لتنظيم الذكاء الاصطناعي ولكن هناك جهود وطنية لتنظيمه.
يضع الاتحاد الأوربي معايير تنظيمية فيما يتعلق به، ويدعو إلى اتباع منهج قائم على المخاطر، إذ أن الذكاء الاصطناعي عالي المخاطر فقط هو الذي يخضع للمتطلبات الإلزامية. في الولايات المتحدة، كانت منهجيات التنظيم الذاتي والقانون غير الملزم هي الخيار المفضل الرئيس لتنظيمه. ومن ناحية أخرى، فإن التنظيم الصيني بشأنه يرتكز على السيطرة على البيانات بفرض الحوكمة الاجتماعية التي تؤثر على معايير الخصوصية التي تنطوي على تدابير صارمة. ومن ثم، فإن المناهج الثلاثة المختلفة المتعلقة بتنظيمه تشمل الأساس المنطقي للسياسة المقبولة والمنفذة من جانب السلطات القضائية الثلاث. كما يشمل أنموذج إدارة الذكاء الاصطناعي تفضيلاً سياسياً فيما يتعلق بالقيم الليبرالية، مثل الخصوصية والحرية، وحماية سيادة الدولة وأمنها. إضافة إلى ذلك، تعدّ صناعة الذكاء الاصطناعي أداة سياسية للحكم في أثناء الصعوبات الوطنية والاقتصادية. ويجري تسويقه عبر المبادئ الأخلاقية الموجهة نحو الصناعة، في حين تحظى المساءلة والشفافية باهتمامٍ أقل ليس فقط في سياسة الاتحاد الأوربي بشأنه ولكن أيضاً في جميع أنحاء العالم مما يشير إلى الآثار السياسية المتعلقة بالتغير التكنولوجي. ويعدّ تنظيم الذكاء الاصطناعي إلى جانب التحكم المستمر في خوارزمياته أمراً حيوياً في منع التطور غير المكترِث الخاص به في المجتمع، بسبب التمييز والتحيز وانتهاكات الخصوصية وانعدام الشفافية.
الذكاء الاصطناعي والسياسة والديمقراطية
لقد ولّد ظهور الفضاء السيبراني تحولاً في طبيعة المعلومات المتداولة وكميتها. وتعالج اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) وتوجيه الخصوصية الإلكترونية التلاعب بشكلٍ غير مباشر عن طريق الحد من كمية البيانات الفردية التي يمكن جمعها وإساءة استخدامها، في حين أن الأمر 2005/29/EC يتناول بعض صيغ التلاعب المتعمد في الممارسات التجارية باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي المحظورة حالياً في قانون الاتحاد الأوربي. ويفرض قانون الخدمات الرقمية متطلبات الشفافية التي تمنع التلاعب وبالتالي تجنب استغلال المنصات من جانب أطرافٍ ثالثة، وليس التلاعب من شركات المنصات نفسها.
لقد أثبت الذكاء الاصطناعي تفوقه على عملية صنع القرار البشري في مجالاتٍ معينة، وفي الغالب عندما يكون هناك طلب على التفكير الاستراتيجي المتقدم وتحليل كميات هائلة من البيانات من أجل حل المشكلات المعقدة. وإلى هذا الحد، فإن السياسة هي المجال الذي يضم بعضاً من أكثر الأمور تعقيداً التي يواجهها البشر، ولذلك يجب الموازنة بين التأثيرات قصيرة المدى وطويلة المدى. ويمكن استخدامه لإنتاج محتوى نصي أو صوتي أو فيديو مزيف يسبب التفاعل مع البشر. إضلفة إلى ذلك، كان لاستخدام أنظمته لاستهداف ناخبين محددين نتائج محددة على الانتخابات في العديد من البلدان. ومن الجدير بالذكر أنه يجب على المواطنين اتخاذ خيارات سياسية مستنيرة من دون تلاعب أو إكراه، مطالبين بتنظيم الشفافية واستهداف الإعلانات السياسية.
في البداية، يعدّ الإعلان الإلكتروني المباشر في السياسة حقيقة واقعة، ولذلك استخدمته الأحزاب السياسية باستمرار. ومع ذلك، فإن الاستخدامات المكثفة للإعلان السياسي الإلكتروني تكون بمثابة أداة اتصال للحزب والمرشح الانتخابي لتمكين المرشحين من الوصول إلى مجموعةٍ ديموغرافية معينة، ودعوة مؤيدين جدد، وتعزيز مشاركة الناخبين في الحملة، وجمع الأموال للمرشح والحزب المشارك، وفي النهاية مهاجمة الخصم. هل أحدثت استخدامات الإعلان السياسي الإلكتروني تأثيرات سلبية على السياسة؟ من الجليّ بأن الاستخدامات السلبية في الإعلان السياسي الإلكتروني تثير (السخرية) لدى الناخبين وبالتالي تثني الناخبين عن المشاركة في السياسة مما يعني عدم انخراطهم في السياسة.
يولّد الذكاء الاصطناعي تحديات للاستجابة الديمقراطية والمساءلة بسبب البعد التكنولوجي الجديد وبالارتباط مع عيوب الشفافية والمساءلة الحالية مما يعني بأن هناك حاجة لإضفاء الطابع المؤسسي على آليات الحكم المناسبة التي تتحدى مستوى المدخلات السياسية. إضافة إلى ذلك، ستتاح للسياسيين فرصة استخدامه لإرسال الرسالة إلى الناخبين وتعزيز عملهم، مما يعني نقل سياسات هذه الانتفاضة إلى مستوى مختلف. وبالتالي، سوف تقدّم منظمة العفو الدولية نظام تصويت جديد لعملية الانتخابات برمتها من أجل الحملة الانتخابية حتى ظهور النتائج النهائية.
وتُستخدَم الحوكمة جزئياً، وقد حدثت أضرار عديدة بعد استخدام الذكاء الاصطناعي لإدارة جوانب مختلفة من الشؤون الإنسانية مثل المخاوف المرتبطة بمسائل الخصوصية والمراقبة، والتحيز وعدم المساواة، والحرية والاستقلالية. فهل تستطيع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وحدها تحقيق التحسن في السياسة والديمقراطية؟ طالما أن البشر يتحكمون في التكنولوجيا، فمن الممكن تجاوز موضوعيته، ولكن إذا جرى فرض الذكاء الاصطناعي المتقدم بحيث لا يمكن التحكم فيه من جانب البشر، فإن الموضوعية تكون أكثر تأكيداً وسيتحقق تحسن في كل من السياسة والديمقراطية. وهل هناك احتمال للاستخدام المفيد له فيما يتعلق بالسياسة؟ مع الأخذ في الحسبان أنه أعلى من الذكاء البشري في تحليل المشكلات الكبيرة والمعقدة التي تشمل الطلب على الإستراتيجية والتنبؤ بالتأثيرات طويلة المدى وتحليل كميات هائلة من البيانات، فقد جرى استخدامه بالفعل في العديد من جوانب الحكومة والسياسة. ففي بداية الأمر، يكون استخدامه في مجال الحكومة ممكناً عندما يُمنَح سلطة الحكم بواسطة (الأوامر) mandates التي هي خوارزميات تشمل الإجراءات القياسية التي تُنفَّذ بحسب بيانات إلكترونية معينة. وهل سيجري تهميش الناس وحرمانهم من السلطة والنفوذ السياسيَين بسبب عواقب (عدم التسييس) de-politicisation المتوقعة لحوكمة الذكاء الاصطناعي؟ يُستغَل الذكاء الاصطناعي حالياً في جميع مجالات المجتمع مثل قيادة السيارات، والأسلحة، وتجارة الأسهم، والملاحة، والتعرف على الكلام، والتنبؤ بالطقس، وما إلى ذلك. ضافة إلى هذا، يجري توظيفه في مجالاتٍ حكومية مثل الخدمة العامة والشؤون الاقتصادية والحماية البيئية. في الوقت الحاضر، يوفر الذكاء الاصطناعي الكفاءة ولكنه معرّض للتحكم والتوجيه. ويجب أن يؤخذ في الحسبان أن زرعه في آليات الحوكمة يساهم في تعزيز الأساس المعلوماتي للسياسات الديمقراطية مما يعزز الاستجابة والمساءلة بشكلٍ عام. وستعمل الأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي على تحويل عملية صنع القرار لموظفي الخدمة المدنية لتحقيق أقصى قدر من التأثير، وتحفيز مديري الوكالات على توظيفه في التنبؤ والتدخل لتحقيق تأثيرات أفضل على المواطنين. إضافة إلى ذلك، تساعد عملية إعادة الابتكار الرقمي الحكومة على أن تكون أكثر استجابة وفعالية في إنجاز واجباتها وتلبية احتياجات المواطنين، ناهيك عن أن الذكاء الاصطناعي يولّد المزيد من الشفافية.
وبينما يقوم الذكاء الاصطناعي بمساعدة البشر، فإن معظم مشاكل السياسة هي مشاكل تحسين معقدة للغاية مما يعني بأن السياسات يجب أن تكون ديناميكية، وتتفاعل دائماً مع التغيرات في تفضيلات الإنسان وسلوكه، وبالتالي يجب أن تتمتع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بالقدرة على التفاعل مع تفضيلات البشر أيضاً. إضافة إلى ذلك، فهو يؤدي، بسبب طرق المشاركة الجديدة، مثل الإبداع المشترك، إلى تنشيط المشاركة وإمكانية الوصول إلى المجال السياسي مما يعني أن معظم الناس يتمتعون بسلطةٍ سياسية أكبر مما كانوا يتمتعون بها من قبل في العالم التقليدي. لكن هل ستقوم حكومته (بعدم تسييس) de-politicize المجتمع؟ يجب أن يؤخذ في الحسبان بأن زيادة المشاركة تعني تحسين الديمقراطية. ونظراً لتطبيقه، تتمتع الأنظمة السياسية بالشرعية لأن المواطنين يتمتعون بالسلطة السياسية. إضافة إلى ذلك، وبسبب وجود شرعية تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لا يُحرَم السكان من حقوقهم السياسية الأساسية عن طريق المشاركة في صنع القرار.
وتستخرج حكومة الذكاء الاصطناعي الحقائق والكيانات والمفاهيم والأشياء من البيانات الضخمة، وبالتالي هناك مورد حكومي جديد متاح عبر احتياطياتS هائلة من البيانات. إلى هذا الحد، يجري استخدام موارد البيانات الضخمة من جانب أنظمة الذكاء الاصطناعي وبالتالي التحكم في المستقبل عن طريق قوة الاستدلال مما يعني بأن حكومة الذكاء الاصطناعي تعتمد على موضوعات يمكن التحكم فيها والتي يُنظر إليها على أنها مجاميع من البيانات غير الشخصية المجمعة والقابلة للاستغلال على نطاقٍ وتفصيل لا يوصفان. كما أن توسيع إمكانية الوصول إلى البيانات والقوة المتصاعدة لصنع القرار في مجال الذكاء الاصطناعي يغيّر مستقبل المؤسسات السياسية. وإلى هذا الحد، يجب أن تكون قراراته في الحوكمة العامة شفافة وقابلة للتفسير لاكتساب الشرعية. ومن المثير أن التطورات الأخيرة فيه قد ولدت أسباباً قوية للدول لتطوير استراتيجيات الحوكمة لتعظيم الفوائد المتوقعة لتقنياته مع التخفيف من مخاطرها.
إن استخراج البيانات وتوليد المعرفة الحسابية من الحكومة الخوارزمية يعيد تنظيم العالم في تحول بعيد المدى أكثر من أية تقنيةٍ سابقة بسبب الوظيفة المستقلة لتقنيات الذكاء الاصطناعي. إلى هذا الحد، يجري طرح تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المبنية على الخوارزميات بوصفها تقنية يمكنها التفكير بسرعةٍ وشمولية ودقةٍ أكبر من أية قوةٍ بشرية، وبالتالي يجري تقديم القرارات التي يتخذها الذكاء الاصطناعي على أنها محايدة وفعالة وموضوعية – مستمدة من البيانات ومتجاوِزة السياسات الذاتية. وتولّد هذه التقنية سياسات خاصة بها، والتي يمكن تنفيذها من دون أي تدخل بشري، ولكن نظراً لمستوى تقنية الذكاء الاصطناعي الحالية، فإن الوظيفة تعتمد على أهداف منشئ هذه التقنية.
هل يمكن أن تقوم معرفة الذكاء الاصطناعي ووظائفه بإنتاج الحقيقة؟ يمكن للمعرفة أن تؤكد الكفاءة لتوليد الحقيقة عبر توفير حساب دقيق وشامل للبيانات التي تنص على حقيقةٍ موضوعية. من المؤكد أن هذه الحكومة ستكون أكثر موضوعية من الحكومة التقليدية التي تتأثر بالسياسة البشرية طالما أن الخوارزمية ستكون مبرمجة بشكلٍ موضوعي لتأدية مهامّها. إضافة إلى ذلك، فإن حكومة الذكاء الاصطناعي المتقدم AAI ستكون بالتأكيد موضوعية لا تتأثر بالسياسة البشرية نظراً لحقيقة أن تقنيتها ستعمل بشكلٍ موضوعي بناءً على قرارها السياسي الخاص المستند على القراءة الموضوعية للبيانات المتعلقة بأية مسألة سياسية.
وبينما يعد الذكاء الاصطناعي الحالي بمزيدٍ من الإنصاف والوصول إلى العدالة واليقين القانونيَين، فقد ظهرت قضايا التمييز والشفافية التي تتطلب تحسين هذه التكنولوجيا على الفور من أجل عدم وضع مبادئ الديمقراطية الليبرالية تحت الضغط. إضافة إلى ذلك، يمكن أن يحقق تطبيقه معاملة متساوية لجميع المواطنين عن طريق عدالته بدلاً من التحيز البشري الذي يمثّل الجزء المميز للديمقراطيات الليبرالية. لكن ما العامل الذي يسمح له بالعمل بشكلٍ موضوعي وتحقيق أفضل النتائج؟ الجواب هو خوارزمية جيدة صيغت بطريقةٍ غير متحيزة ولا تتأثر بأي تدخل سياسي لصالح حلٍ معين باستثناء نتيجة موضوعية تخرج من بياناتٍ ضخمة قيّمة.
كما يجب أن يؤخذ في الحسبان بأن خوارزميات الذكاء الاصطناعي توفر أداة موضوعية لتنفيذ الشرعية الديمقراطية عبر توفير إمكانية المشاركة الديمقراطية المتساوية. إضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون تأثير عملية صنع القرار في هذا المجال على الحكم الديمقراطي والشرعية أمراً حيوياً في رفع مستوى تنفيذ الديمقراطية الحقيقية. إلى هذا الحد، تعمل خوارزمياته على تعزيز فهم البعد الحقيقي للمشكلة من خلال فحص مجموعة متنوعة من البيانات والتحليلات التي لا يمكن للعقل البشري القيام بها، مما يعني بأن البيانات التي تجري معالجتها بواسطة خوارزمياته تأخذها عملية صنع القرار السياسي في الحسبان وبالتالي توليد خيارات سياسية مستنيرة بشكلٍ أفضل، مما يساعد على إجراء تقديرٍ أكثر وضوحاً وعمقاً للقضايا المدنية عن طريق صنّاع القرار.
وتعمل تقنيات الذكاء الاصطناعي على صياغة تصورات الناس عن العالم تدريجياً وبصورةٍ مستمرة، وبالتالي فإن الاستخدام اليومي لتطبيقاته التي تركز على الأنشطة التي تسرعها هذه التقنيات يؤثر على السياق الذي يتخذ فيه الأشخاص القرارات. إضافة إلى ذلك، ونظراً لخصائص أنظمته، فإن لدى الأشخاص إمكانية الحصول على معلوماتٍ عبر أنظمة ذكاء اصطناعي مختلفة لا يجري التحكم فيها مركزياً مما لا يشير فقط إلى تعدد المعلومات ولكن أيضاً تشير عملية التعلم المستمرة للخوارزميات المستخدمة إلى إمكانية التصحيح من أي سوء تقدير أو تلاعب محتمل. وإلى هذا الحد، كشفت فضيحة كامبريدج أناليتيكا Cambridge Analytica عن كيفية تأثير هذه التطبيقات على القرارات الانتخابية، وبالتالي توضيح الاضطراب المنهجي الذي أحدثته هذه في الديمقراطية. بمعنى آخر، تعمل هذه التطبيقات على تعطيل الديمقراطية بواسطة الأشكال الجديدة للتلاعب بالمعلومات. وفضلاً عن ذلك، نظراً لقدرات الذكاء الاصطناعي، فإنه يتحدى الديمقراطية عبر الإخلال باستقلالية المواطنين والمشاركة المتساوية في الممارسات الديمقراطية مثل الانتخابات، وأن المنتدى العام يبث جميع المعلومات اللازمة للإدلاء بأصوات صحيحة. ومن ثم، فإن آليات حوكمة الذكاء الاصطناعي بحاجةٍ إلى وضع إرشادات فنية واجتماعية-فنية لممارسات ابتكار الذكاء الاصطناعي الموثوقة والمعتمَدَة بما يتوافق مع إطار قانوني ملزِم قائم على حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون. وبالتالي، يتعين عليه أن يتأكد من تنفيذ المشاريع بمستوياتٍ مناسبة من المسؤولية العامة، والشمولية، والحكم الديمقراطي.
ويتضح بأن هناك آثارا إيجابية للرقمنة digitization بما في ذلك إضفاء الطابع الديمقراطي على الوصول إلى المعرفة، وفرص جديدة للمشاركة السياسية والاجتماعية، وزيادة الشفافية عبر أشكال الحكومة الإلكترونية، ولكن يمكن توسيعها بشكلٍ أكثر واقعية إذا جرت الإشادة بالأبعاد العالمية للديمقراطية الرقمية بشكلٍ كامل. ويجب أن يؤخذ في الحسبان بأن الاعتماد المتزايد للذكاء الاصطناعي يغيّر الأسس المعلوماتية للمجتمعات. إن عواقبه تكون واسعة النطاق، وبالتالي يمكنه أن يقلل أو يزيد من نقص المعلومات لدى كل من المواطنين وصنّاع القرار على مستوى المدخلات، على جميع الصُعُد، و[مستوى] مخرجات النظام السياسي. على أية حال، هناك مخاوف تتعلق بقدرة هذه التكنولوجيا على دعم أو تمكين الأشكال المنتشرة من المعلومات المضللة أو التلاعب عبر الإنترنت التي تهدد القواعد والممارسات الديمقراطية.
ومن الجدير بالذكر أن هناك حالياً زيادة في المشاركة التي تجري عبر التصويت الدوري مما يدل على حماية الحقوق الأساسية وشرعية المخرجات. إن استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لدى صناع القرار العام يزيد من الاهتمام بتطوير أطر قانونية وسياسية لتبادل البيانات ومعالجتها بشكل جدير بالثقة لدعم العمليات الديمقراطية. وإلى هذا الحد، تتيح مشاركة البيانات للمواطنين التواصل مع عمليات صنع القرار العامة بطريقةٍ تكمل الدور الأكثر تقليدية لوسائل الإعلام الإخبارية في بناء جداول الأعمال السياسية وإعلامها.
الذكاء الاصطناعي في سياسة الاتحاد الأوربي
هل حقق الاتحاد الأوربي إبراز القوة الجماعية والثروة والنفوذ عبر التحول إلى قوة عالمية؟ يبدو بأنه في شكله الحالي وبسبب النهج السياسي لأعضاءه، تمكن إلى حد ما من إبراز القوة الجماعية والثروة والنفوذ ولكنه لم يصبح قوة عالمية. لقد أظهر النهج السياسي الذي اتبعه في الأزمة الأوكرانية ضعفه الحالي في العمل بوصفه لاعباً عالمياً.
ولكن، هل سيعزز الذكاء الاصطناعي التكامل الأوربي؟ إن تطويره، إضافة إلى الذكاء الاصطناعي المتقدم، سيسمح باتخاذ القرار الآلي على أساس الموضوعية بدلاً من الذاتية للمجتمع البشري الحالي. إن استخدام هذه التكنولوجيا على مستوى صنع القرار في مفوضية الاتحاد الأوربي سيسمح باتخاذ القرار الآلي بشكلٍ موضوعي بشأن شؤون الاتحاد مما يؤدي إلى أفضل نتيجة بدلاً من اتخاذ قرار شخصي ومحسوب يعتمد بشكلٍ أكبر على المصالح الوطنية بدلاً من تعظيم النتائج للاتحاد الأوربي.
هل سيسمح الذكاء الاصطناعي باتخاذ قرارات أفضل فيما يتعلق بسياسة الاتحاد الأوربي؟ وهل يمتلك القادة الأوربيون جميع البيانات اللازمة لاتخاذ القرار الصحيح لشعوبهم الاتحاد الأوربي بدون هذه التكنولوجيا؟ كان بإمكان هؤلاء القادة اتخاذ قرارات أفضل باستخدام هذه التكنولوجيا في المسائل المتعلقة بمشاركة الاتحاد الأوربي في صراعاتٍ مختلفة، ليس فقط باستخدام بيانات غير كاملة ولكن أيضاً ب تعزيز المصالح الوطنية بشكلٍ شخصي بدلاً من المصالح البحتة. وكان بإمكان هذه التكنولوجيا أن تحسب جميع العناصر المتعلقة بالمشاركة في صراعٍ ما، وأن تنصح بعدم المشاركة فيه لأنه قد يكون ضاراً باقتصاد الاتحاد الأوربي. وهل يستلزم تنفيذ هذه التكنولوجيا تحويل الاتحاد الأوربي إلى الولايات المتحدة الأوربية؟ إن التوسع والتقدم في هذه التكنولوجيا واستخدامها في جميع مجالات الحياة البشرية سوف يولّد الحاجة إلى نظام حكومة مركزية من أجل تحقيق أفضل النتائج التي تفرض التكامل السياسي وتحويل الاتحاد الأوربي إلى الولايات المتحدة الأوربية التي تعمل بوصفها لاعبًا عالميًّا يعادي antagonizing القوى العظمى الأخرى. وأيضاً، نظراً للحضارة الأوربية، ستصبح الولايات المتحدة الأوربية لاعباً عالمياً متوازناً يجلب الاستقرار والنمو للاقتصاد العالمي وبالتالي تجنب أي عدم استقرار عالمي يسبب مشاكل اقتصادية ليس فقط على اقتصاد الاتحاد الأوربي ولكن أيضاً على الاقتصاد العالمي كما يبدو بأن الأمر يحدث حالياً.
السياسة والديمقراطية في عالم يحكمه الذكاء الاصطناعي
يجب أن يؤخذ في الحسبان بأن التوحيد الفني الحالي للذكاء الاصطناعي يمثل نوعاً ذا معنى من التنظيم وهو ليس محايداً سياسياً نظراً لحقيقة أن جميع جوانب وظائفه يحددها المبدع البشري للخوارزميات التي يستخدمها. بمعنى آخر، لا يقرر الذكاء الاصطناعي معاييره الخاصة وفق قرار مستقل يعتمد على قراءة موضوعية للبيانات. كما أن تطوير تقنية الذكاء الاصطناعي المتقدم AAI سيتمكن من التعامل مع مخاطر التقنيات الجديدة. ويجسّد المجتمع الرقمي مجتمعاً جديداً يحكمه استخدام تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، وبالتالي فإن المجتمع الرقمي هو مجتمع معلومات شبكي ذو قيم واحتياجات جديدة.
وستسمح تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المتقدم AAI بإنشاء لائحة عالمية مقننة تسمح بترابط شبكة من أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدم في مختلف التخصصات القضائية له، بل حتى [تسمح بـ] القضاء على الشعور بالسيادة الوطنية وإنشاء السلطة القضائية السيبرانية للذكاء الاصطناعي المتقدم. وفي مجتمعٍ يحكمه هذا الذكاء، ستستخدم كيانات ذلك الذكاء سياساتها الخاصة التي تمثل تنفيذ مصالحها الخاصة. ويمكن القول بأن أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدم ستسمح بالمشاركة الإلكترونية لكياناته في ديمقراطيته مما يؤدي إلى تنفيذ سياساته والتي سيكون لها شكلٍ آخر وتأثير آخر على مجتمع الذكاء الاصطناعي المتقدم وحياته مقارنةً بالسياسة التقليدية الحالية. وقد تكون هناك فكرة مركزية للسياسة وصنع القرار بسبب خصائص هذه التكنولوجيا.
فما تأثير الذكاء الاصطناعي الذي تنفّذه الروبوتات البشرية على الأداء السياسي في الاتحاد الأوربي؟ مع الأخذ في الحسبان أن البشر لا يزالون يسيطرون عليه، فإن سيادته على حياة الإنسان التي تنفذها الروبوتات البشرية تتطلب توحيد المعايير والمركزية والتكامل مما يشير إلى الحاجة إلى قرار سياسي لحوكمة مركزية للذكاء الاصطناعي وبالتالي تحويل الاتحاد الأوربي إلى الولايات المتحدة الأوربية.
الاستنتاجات
يتعين على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أن تولّد أنظمة مسؤولة وموثوقة قادرة على تحمل المسؤولية الاجتماعية. إن غياب الحوكمة الكافية وفي الوقت المناسب للأنظمة التي تعمل به يلقي بمسؤولياتٍ كبيرة بالنسبة لجميع الحكومات التي تستخدم هذه التكنولوجيا. إضافة إلى ذلك، فإن حجمه وتأثيره داخل القطاعات وعبرها وتركيز كبار مقدمي الذكاء الاصطناعي يزيد من وجود تأثيرات الشبكة، مما يحفز وجودها. وسوف يجلب المزيد من الديمقراطية وسياسة أفضل طالما أنه جزء لا يتجزأ من إطار ديمقراطي موضوعي يمكّن كل من الممثَّلين [بفتح الثاء] represented والممثِّلين [بفتح الثاء] representatives من ممارسة السيطرة على نتائج صنع القرار عبر خوارزمياته، مع أخذ خيارات الناس بالحسبان.
المصدر: Cicero Foundation Great Debate Paper، العدد، 3 ، تموز، 2022.